الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (نسخة منقحة)
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: [الرَّجَزُ]: إِلَخْ.وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْبَيْهَقِيِّ فِي عَافِيَةَ: إِنَّهُ مَجْهُولٌ أَوْلَى مِنْهُ بِالتَّقْدِيمِ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ: إِنَّهُ ثِقَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَإِذَا ثَبَتَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، فَهُوَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.وَيُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَوْثِيقِ عَافِيَةَ الْمَذْكُورِ أَنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ، وَشِدَّةِ بَحْثِهِ عَنِ الرِّجَالِ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ فِيهِ جَرْحًا.وَأَمَّا الْآثَارُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَلِي بَنَاتِ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيَّ، فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ»، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَنْ عَائِشَةَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، كَمَا تَرَى.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ كَمَا تَرَى.وَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الزَّكَاةِ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَالُ يَتِيمَةٍ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ، كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ عَائِشَةَ تَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَالْمَانِعُ مِنْ إِخْرَاجِهَا الزَّكَاةَ، كَوْنُهُ حُلِيًّا مُبَاحًا عَلَى التَّحْقِيقِ، لَا كَوْنُهُ مَالَ يَتِيمَةٍ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى أَنَّ الْمَانِعَ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَنَّهُ لِجَوَارٍ مَمْلُوكَاتٍ، وَأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، مَرْدُودٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ لَا يُزَكِّي حُلِيَّ بَنَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُزَوِّجُ الْبِنْتَ لَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ يُحَلِّيهَا مِنْهَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَلَا يُزَكِّي ذَلِكَ الْحُلِيَّ، وَتَرْكُهُ لِزَكَاتِهِ لِكَوْنِهِ حُلِيًّا مُبَاحًا عَلَى التَّحْقِيقِ.وَمِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ «زَكَاتُهُ عَارِيَتُهُ»، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى، وَابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ، فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ: كَثِيرٌ.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْحُلِيِّ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِهَا الذَّهَبَ وَلَا تُزَكِّيهِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا.وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُلِيَّ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِعْمَالِ لَا لِلتِّجَارَةِ وَالتَّنْمِيَةِ، أُلْحِقَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مُعَدٌّ لِلِاسْتِعْمَالِ لَا لِلتَّنْمِيَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْإِلْحَاقِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ الْمَكْسُورُ الَّذِي يُرِيدُ أَهْلَهُ إِصْلَاحَهُ وَلُبْسَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِهِ،فَلَيْسَ عَلَى أَهْلِهِ فِيهِ زَكَاةٌ، قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ، وَلَا فِي الْمِسْكِ، وَالْعَنْبَرِ زَكَاةٌ.الثَّانِي مِنْ وَجْهَيِ الْقِيَاسِ: هُوَ النَّوْعُ الْمَعْرُوفُ بِقِيَاسِ الْعَكْسِ، وَأَشَارَ لَهُ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ: [الرَّجَزُ]: وَخَالَفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَبُولِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ، وَضَابِطُهُ: هُوَ إِثْبَاتُ عَكْسِ حُكْمِ شَيْءٍ لِشَيْءٍ آخَرَ لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ، وَمِثَالُهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ: أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟! قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟» الْحَدِيثَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَثْبَتَ فِي الْجِمَاعِ الْمُبَاحِ أَجْرًا، وَهُوَ حُكْمُ عَكْسِ حُكْمِ الْجِمَاعِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْوِزْرَ؛ لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْأَجْرِ فِي الْأَوَّلِ إِعْفَافُ امْرَأَتِهِ وَنَفْسِهِ، وَعِلَّةَ الْوِزْرِ فِي الثَّانِي كَوْنُهُ زِنًى.وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: احْتِجَاجُهُمْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مِنْ كَثِيرِ الْقَيْءِ، بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ مِنْ قَلِيلِهِ لَمْ يَجِبْ مِنْ كَثِيرِهِ عَكْسَ الْبَوْلِ لَمَّا وَجَبَ مِنْ قَلِيلِهِ وَجَبَ مِنْ كَثِيرِهِ.وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَوْلُهُمْ: لَمَّا لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ مِنْ صَغِيرِ الْمُثَقَّلِ، لَمْ يَجِبْ مِنْ كَبِيرِهِ عَكْسَ الْمُحَدَّدِ لَمَّا وَجَبَ مِنْ صَغِيرِهِ وَجَبَ مِنْ كَبِيرِهِ.وَوَجْهُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا، هُوَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا الزَّكَاةُ، فَإِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّمَاءِ، وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ عَكْسَ الْعَيْنِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي عَيْنِهَا، فَإِذَا صِيغَتْ حُلِيًّا مُبَاحًا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَانْقَطَعَ عَنْهَا قَصْدُ التَّنْمِيَةِ بِالتِّجَارَةِ، صَارَتْ لَا زَكَاةَ فِيهَا، فَتَعَاكَسَتْ أَحْكَامُهَا لِتَعَاكُسِهِمَا فِي الْعِلَّةِ، وَمَنَعَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْقِيَاسِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ يَعْتَضِدُ بِهِ مَا سَبَقَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَالْآثَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، مِنْ أَنَّ مُوَافَقَةَ النَّصِّ لِلْقِيَاسِ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ، وَأَمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: الْأَلْفَاظُ الْوَارِدَةُ فِي الصَّحِيحِ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ لَا تَشْمَلُ الْحُلِيَّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ.قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرِّقَّةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْوَرِقُ الْمَنْقُوشَةُ ذَاتُ السَّكَّةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا تُطْلِقُهَا الْعَرَبُ عَلَى الْمَصُوغِ، وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي الْأُوقِيَّةِ.قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: مَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: الْوَرِقُ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، وَكَذَلِكَ الرِّقَّةُ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْوَرِقُ- مُثَلَّثَةٌ- وَكَكَتِفٍ: الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ، وَجَمْعُهُ أَوْرَاقٌ وَوِرَاقٌ كَالرِّقَّةِ.هَذَا هُوَ حَاصِلُ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ.وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الِاحْتِجَاجِ لِذَلِكَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فِيهِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ، وَالْحُجَّةُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ- مَالِكٌ- إِنَّمَا هِيَ فِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَمْرٍ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، لَا إِنِ اخْتَلَفُوا، أَوْ كَانَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ، بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]: وَقِيلَ: مُطْلَقًا، إِلَخْ.لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمَدَنِيِّ: الْإِجْمَاعُ الْمَدَنِيُّ الْوَاقِعُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ، لَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَيَّدَهُ بِمَا بُنِيَ عَلَى التَّوْقِيفِ دُونَ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ.وَأَمَّا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ أَيْضًا:الْأَوَّلُ: أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ.الثَّانِي: آثَارٌ وَرَدَتْ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ.الثَّالِثُ: وَضْعُ اللُّغَةِ.الرَّابِعُ: الْقِيَاسُ.أَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِذَلِكَ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْمَعْنَى أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ: ثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: «أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟!» قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ.وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتٌ لَهَا، فِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: «أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟!» قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُسَيْنًا، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا بِنْتٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ، نَحْوَهُ، مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: خَالِدٌ أَثْبَتُ مِنَ الْمُعْتَمِرِ. اهـ.وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ الْحُسْنُ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِرِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ لَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، بَلْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، وَقَدْ تَابَعَهُمَا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْجَمِيعُ ضِعَافٌ.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا عَتَّابُ يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: «مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ، فَزَكِّي فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٌ مِنْ وَرِقٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟!» فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ؟» قُلْتُ: لَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: «هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ».حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ الْخَاتَمِ، قِيلَ لِسُفْيَانَ: كَيْفَ تُزَكِّيهِ؟ قَالَ: تَضُمُّهُ إِلَى غَيْرِهِ. اهـ.وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ.وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا، قَالَتْ: لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إِذَا أُعْطِيَ زَكَاتُهُ. اهـ.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:وَقَدِ انْضَمَّ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، وَسَاقَهُمَا.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بِلَفْظِ: قَالَتْ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْنَا أَسَاوِرُ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَنَا: «أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟»، فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِسِوَارٍ مِنْ نَارٍ؟! أَدِّيَا زَكَاتَهُ». اهـ.وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَفِي سَنَدِهِ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، اهـ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ.وَأَمَّا الْآثَارُ: فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ مُرْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَصَّدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ. اهـ.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا مُرْسَلٌ، شُعَيْبُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ. اهـ.وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ: وَهُوَ مُرْسَلٌ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْحَسَنُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ: «فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ».وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ، عَنْ حُلِيٍّ لَهَا، فَقَالَ: إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَتْ: أَضَعُهَا فِي بَنِي أَخٍ لِي فِي حِجْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ: هَذَا وَهْمٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى خَازِنِهِ سَالِمٍ، أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ حُلِيِّ بَنَاتِهِ كُلَّ سَنَةٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَدْرِي أَيَثْبُتُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرِهِمَا. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ أَيْضًا.وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَإِنَّهُمْ قَاسُوا الْحُلِيَّ عَلَى الْمَسْكُوكِ وَالْمَسْبُوكِ بِجَامِعِ أَنَّ الْجَمِيعَ نَقْدٌ.وَأَمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ: فَزَعَمُوا أَنَّ لَفْظَ الرِّقَّةِ، وَلَفْظَ الْأُوقِيَّةِ الثَّابِتَ فِي الصَّحِيحِ يَشْمَلُ الْمَصُوغَ كَمَا يَشْمَلُ الْمَسْكُوكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّحْقِيقَ خِلَافُهُ.فَإِذَا عَلِمْتَ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ، فَسَنَذْكُرُ لَكَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.أَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ، فَلَهُ مُرَجِّحَاتٌ:مِنْهَا: أَنَّ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ، كَمَا قَدَّمْنَا رِوَايَتَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.أَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، فَلَمْ يُرْوَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.وَكَثْرَةُ الرُّوَاةِ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ عَلَى التَّحْقِيقِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ الرِّبَا.وَمِنْهَا: أَنَّ أَحَادِيثَهُ كَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَقْوَى سَنَدًا مِنْ حَدِيثِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ الَّذِي رَوَاهُ عَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ.وَمِنْهَا: أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الطَّلَبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ مَرَاقِي السُّعُودِ فِي مَبْحَثِ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَدْلُولِ: [الرَّجَزُ]: عَلَى إِبَاحَةٍ، إِلَخْ.وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ثُمَّ هَذَا الْآخِرُ عَلَى إِبَاحَةٍ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.وَمِنْهَا: دَلَالَةُ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَصْلِ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُلِيَّ مِنْ نَوْعِ مَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ، هَذَا حَاصِلُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَجَّحَ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ.وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ، فَيُرَجَّحُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي التَّحْرِيمِ إِنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي كَانَ فِيهِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ مُحَرَّمًا عَلَى النِّسَاءِ، وَالْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا.وَأَمَّا أَدِلَّةُ عَدَمِ الزَّكَاةِ فِيهِ، فَبَعْدَ أَنْ صَارَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ مُبَاحًا.وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ التَّحَلِّيَ بِالذَّهَبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مُحَرَّمًا عَلَى النِّسَاءِ، ثُمَّ أُبِيحَ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا سَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ أَوَّلًا وَتَحْلِيلِهِ ثَانِيًا، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَالْجَمْعُ وَاجِبٌ إِنْ أَمْكَنَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَعُلُومِ الْحَدِيثِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ مَرَاقِي السُّعُودِ: [الرَّجَزُ]: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ إِعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمْعَ إِذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ جَمِيعِ التَّرْجِيحَاتِ.فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْجَمْعُ يَقْدَحُ فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّ فِيهِ «فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ» الْحَدِيثَ.وَالْوَرِقُ: الْفِضَّةُ، وَالْفِضَّةُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا تَحْرِيمٌ، فَالتَّحَلِّي بِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ يَوْمًا مَا.فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ، زَعَمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْوَارِدَةَ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَانَتْ حِينَ كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ، فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ.قَالَ: وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ حَدِيثِ عَائِشَةَ، إِنْ كَانَ ذِكْرُ الْوَرِقِ فِيهِ مَحْفُوظًا، غَيْرَ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَاسِمِ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فِي تَرْكِهَا إِخْرَاجَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهَا مِنْ إِخْرَاجِ زَكَاةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى- يُوقِعُ رِيبَةً فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَرْفُوعَةِ، فَهِيَ لَا تُخَالِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَتْهُ عَنْهُ، إِلَّا فِيمَا عَلِمَتْهُ مَنْسُوخًا. اهـ.وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ الْكَلَامَ عَلَى مُخَالَفَةِ الصَّحَابِيِّ لِمَا رُوِيَ فِي آيَةِ الطَّلَاقِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَعْلَمَ عَائِشَةُ أَنَّ عَدَمَ زَكَاةِ الْحُلِيِّ فِيهِ الْوَعِيدُ مِنَ النَّبِيِّ لَهَا بِأَنَّهُ حَسْبُهَا مِنَ النَّارِ، ثُمَّ تَتْرُكُ إِخْرَاجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّنْ فِي حِجْرِهَا، مَعَ أَنَّهَا مَعْرُوفٌ عَنْهَا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى.وَمِنْ أَجْوِبَةِ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِزَكَاةِ الْحُلِيِّ عَارِيَتُهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.هَذَا حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.وَأَقْوَى الْوُجُوهِ بِحَسَبِ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ وَعِلْمِ الْحَدِيثِ: الْجَمْعُ إِذَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا.قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَإِخْرَاجُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّ «مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»- «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّ جَمَاهِيرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، فَتُقَوَّمُ عِنْدَ الْحَوْلِ، وَيُخْرَجُ رُبْعُ عُشْرِهَا كَزَكَاةِ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، قَالَ: رُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالنُّعْمَانِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، اهـ، بِوَاسِطَةِ نَقْلِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي، وَلِمَالِكٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تَفْصِيلٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ عِنْدَهُ تَنْقَسِمُ إِلَى عَرْضِ تَاجِرٍ مُدِيرٍ، وَعَرْضِ تَاجِرٍ مُحْتَكِرٍ، فَالْمُدِيرُ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي دَائِمًا، وَالْمُحْتَكِرُ هُوَ الَّذِي يَشْتَرِي السِّلَعَ وَيَتَرَبَّصُ بِهَا حَتَّى يَرْتَفِعَ سِعْرُهَا فَيَبِيعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ سِعْرُهَا لَمْ يَبِعْهَا وَلَوْ مَكَثَتْ سِنِينَ.فَعُرُوضُ الْمُدِيرِ عِنْدَهُ وَدُيُونُهُ الَّتِي يُطَالِبُ بِهَا النَّاسَ إِنْ كَانَتْ مَرْجُوَّةً يُزَكِّيهَا عِنْدَ كُلِّ حَوْلٍ، وَالدَّيْنُ الْحَالُّ يُزَكِّيهِ بِالْعَدَدِ، وَالْمُؤَجَّلُ بِالْقِيمَةِ.أَمَّا عَرْضُ الْمُحْتَكِرِ فَلَا يُقَوَّمُ عِنْدَهُ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُبَاعَ بِعَيْنٍ فَيُزَكِّيَ الْعَيْنَ عَلَى حَوْلِ أَصْلِ الْعَرْضِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْنُ عَاشِرٍ، فِي الْمُرْشِدِ الْمُعِينِ بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]: زَادَ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ شَرْطًا، وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ تَقْوِيمِ عُرُوضِ الْمُدِيرِ أَنْ يَصِلَ يَدَهُ شَيْءٌ نَاضٌّ مِنْ ذَاتِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ، وَلَوْ كَانَ رُبْعَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، فَوَافَقَ الْجُمْهُورَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ نَعْلَمْ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، إِلَّا مَا يُرْوَى عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَبَعْضِ أَتْبَاعِهِ.وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ آيَةٌ، وَأَحَادِيثُ، وَآثَارٌ وَرَدَتْ بِذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ إِجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ.فَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ.وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، بِأَسَانِيدِهِمْ، ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ صَحِيحَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، اهـ.ثُمَّ قَالَ: قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالزَّايِ، هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ، وَصَرَّحَ بِالزَّايِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ: حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، قَالَهَا بِالزَّايِ، وَإِسْنَادُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، مَدَارُهُ عَلَى مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، وَلَهُ عِنْدَهُ طَرِيقٌ ثَالِثٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ مَعْلُولٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، رَوَاهُ عَنْ عِمْرَانَ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ عِمْرَانَ، وَلَهُ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَالْحَاكِمُ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ، عَنْ عِمْرَانَ، وَلَفْظُهُ: فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا يُعِدُّهَا لِغَرِيمٍ، وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، اهـ.فَتَرَى ابْنَ حَجَرٍ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا بَأْسَ بِهِ مَعَ مَا قَدَّمْنَا عَنِ الْحَاكِمِ مِنْ صِحَّةِ الْإِسْنَادَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَتَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ لِذَلِكَ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي الْحُسَامِ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْ مُوسَى الْمَذْكُورِ، عَنْ عِمْرَانَ، لَا عَنْ عِمْرَانَ مُبَاشَرَةً فَانْظُرْهُ.فَإِنْ قِيلَ: قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْمُسْتَدْرَكِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الْبُرُّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا بِالزَّايِ فِي لَفْظَةِ الْبَزِّ فِي الْحَدِيثِ ضَعِيفَةٌ، وَإِذَنْ فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى تَقْرِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ.فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَدَّمْنَا عَنِ النَّوَوِيِّ، مِنْ أَنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ رَوَوْهُ بِالزَّايِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ بِالزَّايِ الْبَيْهَقِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، كَمَا تَقَدَّمَ.وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نُعِدُّ لِلْبَيْعِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَمَعْلُومٌ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْكُتُ إِلَّا عَنْ حَدِيثٍ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ عِنْدَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَزَّارُ، مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ وَفِي إِسْنَادِهِ جَهَالَةٌ، اهـ.قَالَ مُقَيِّدُهُ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الزُّهْرِيُّ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ لِينٌ، وَلَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، أَنَّ أَبَاهُ حِمَاسًا قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَى عُنُقِي أُدُمٌ أَحْمِلُهَا، فَقَالَ: أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟ فَقَالَ: مَا لِي غَيْرَ هَذَا، وَأَهَبُ فِي الْقَرْظِ قَالَ: ذَلِكَ مَالٌ فَضَعْ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَسَبَهَا فَوُجِدَتْ قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ فِي هَذَا الْأَثَرِ: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: مَرَرْتُ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، اهـ.وَحِمَاسٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ، فَقَدْ رَأَيْتَ ثُبُوتَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، مِنْ كِتَابِهِ أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ. اهـ.قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَالَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ، قَالَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ: إِسْنَادُ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ضَعِيفٌ، فَكَانَ اتِّبَاعُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لِصِحَّتِهِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الزَّكَاةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ مَا رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُمْ عَنْ أَحَدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ- إِنْ صَحَّ- لَا زَكَاةَ فِي الْعَرْضِ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ التِّجَارَةَ اهـ مِنْ سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، وَكَانَ زُرَيْقٌ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَسُلَيْمَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ انْظُرْ مَنْ يَمُرُّ بِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا، وَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا.وَأَمَّا الْآيَةُ: فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [2/ 267]، عَلَى مَا فَسَّرَهَا بِهِ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بَابُ: زَكَاةِ التِّجَارَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ الْآيَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالُوا: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قَالَ: التِّجَارَةُ، وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: النَّخْلُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، بَابُ صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ: هَكَذَا أَوْرَدَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْآيَةِ بِغَيْرِ حَدِيثٍ.وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ، قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ الْحَلَالِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَلَفْظُهُ: مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ:مِنَ الثِّمَارِ.وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، فَتَحَصَّلَ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْمَرْفُوعَيْنِ وَمَا صَحَّ مِنْ أَخْذِ عُمَرَ زَكَاةَ الْجُلُودِ مِنْ حِمَاسٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَظَاهِرِ عُمُومِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا فَسَّرَهَا بِهِ مُجَاهِدٌ، وَإِجْمَاعِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ- يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ، وَهَلِ الدَّيْنُ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ عَنِ الْمَدِينِ أَوْ لَا؟!اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِلْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ يَجْرِي مَجْرَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَبَيْنَ الْمُحْتَكِرِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا.وَمَذْهَبُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الدَّيْنَ مَانِعٌ مِنَ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ إِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ وَفَائِهِ قَدْرُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قَالَ فِي مَوَطَّئِهِ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ سِوَى ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا بِيَدِهِ مِنْ نَاضٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعُرُوضِ وَالنَّقْدِ إِلَّا وَفَاءَ دَيْنِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ النَّاضِّ فَضْلٌ عَنْ دَيْنِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ.وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ، وَالزُّرُوعُ، وَالثِّمَارُ، فَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ وُجُوبَ زَكَاتِهَا عِنْدَهُ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الدَّيْنَ إِذَا كَانَ حَالًّا عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ، أَوْ مُنْكِرٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ إِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضَ تِجَارَةٍ، وَهَذَا قَوْلُهُ الْجَدِيدُ، وَأَمَّا الْقَدِيمُ: فَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي الدَّيْنِ بِحَالٍ.أَمَّا إِنْ كَانَ الْغَرِيمُ مُعْسِرًا، أَوْ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ مُمَاطِلًا، أَوْ غَائِبًا، فَهُوَ عِنْدَهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ، وَلَكِنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِهِ فِي الْيَدِ.وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:أَحَدُهُمَا لِأَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ عَلَى جَاحِدٍ. فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.وَالثَّانِي: لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَقْبَلَ بِهِ الْحَوْلَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، قَالَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ.أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مَاشِيَةً، كَأَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ، أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَدَيْنِ الْكِتَابَةِ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، أَوْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ كَمَالُ النِّصَابِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: يُسْقِطُ الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ، أَوِ الَّذِي يَنْقُصُ بِهِ الْمَالُ عَنِ النِّصَابِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَخَذَهُ الْحَاكِمُ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَا يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ لِاخْتِلَافِ جِهَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَالدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ.أَصَحُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى حُكْمِ زَكَاةِ الْمَغْصُوبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَهُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلَا يَمْنَعُهَا فِي الظَّاهِرَةِ وَهِيَ الزُّرُوعُ، وَالثِّمَارُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْمَعَادِنُ.وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ نَامِيَةٌ بِنَفْسِهَا بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ، وَدَيْنُ اللَّهِ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ بِهِ غَيْرِ مُمَاطِلٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِنْ قَبَضَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ فِيمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ.وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ: عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجَابِرٌ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ: عَلَيْهِ إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى قَبْضِهِ.وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ جَاحِدٍ، أَوْ مُمَاطِلٍ، فَرِوَايَتَانِ:إِحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ.وَالثَّانِيَةُ: يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ: يُزَكِّيهِ إِذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، الَّتِي هِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فِي جَدِيدِ قَوْلَيْهِ.وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ، وَهِيَ السَّائِمَةُ، وَالثِّمَارُ، وَالْحُبُوبُ، فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهَا الرِّوَايَةُ، عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِيهَا أَيْضًا كَالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَعَنْهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: يَبْتَدِئُ بِالدَّيْنِ فَيَقْضِيهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ مَا بَقِيَ عِنْدَهُ بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّفَقَةِ، فَيُزَكِّي مَا بَقِيَ.وَلَا يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةٌ فِي إِبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَلَا زَكَاةٌ، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَسُلَيْمَانُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ.وَرُوِيَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.إِذَا عَرَفْتَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ، وَهَلْ هُوَ مَانِعٌ مِنَ الزَّكَاةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الدَّيْنِ، هَلْ يُزَكَّى قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَلْ إِذَا لَمْ يُزَكِّهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكْفِي زَكَاةُ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ؟! أَوْ لَابُدَّ مِنْ زَكَاتِهِ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ؟!الظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، هَلِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحْصِيلِ كَالْحُصُولِ بِالْفِعْلِ، أَوْ لَا؟! وَلَا نَعْلَمُ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ، وَلَا كَوْنَ الدَّيْنِ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَدِينِ إِنْ كَانَ يَسْتَغْرِقُ، أَوْ يُنْقِصُ النِّصَابَ، إِلَّا آثَارًا وَرَدَتْ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ.مِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ، حَتَّى تَحْصُلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهُ الزَّكَاةَ.وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي ثَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ كَتَبَ فِي مَالٍ قَبَضَهُ بَعْضُ الْوُلَاةِ ظُلْمًا، يَأْمُرُ بِرَدِّهِ إِلَى أَهْلِهِ، وَيُؤْخَذُ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ، ثُمَّ عَقَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِكِتَابٍ أَلَّا يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا. اهـ. وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ، أَيْ: غَائِبًا عَنْ رَبِّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ.الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي زَكَاةِ الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ.اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ مِنَ الْمَعَادِنِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَعَادِنِ الزَّكَاةُ، إِلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ خَاصَّةً، فَإِذَا أَخْرَجَ مِنَ الْمَعْدِنِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ رُبْعِ الْعُشْرِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حِينِ إِخْرَاجِهِ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا.وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِهِمَا. إِلَّا أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي جَمِيعِ الْمَعَادِنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِضَّةٍ، وَزِئْبَقٍ، وَرَصَاصٍ، وَصُفْرٍ، وَحَدِيدٍ، وَيَاقُوتٍ، وَزَبَرْجَدٍ، وَلُؤْلُؤٍ، وَعَقِيقٍ، وَسَبَجٍ، وَكُحْلٍ، وَزُجَاجٍ، وَزِرْنِيخٍ، وَمَغْرَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ، كَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَنَحْوِهِمَا، وَيُقَوَّمُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَجَمِيعُ الْمَعَادِنِ عِنْدَهُ تُزَكَّى، وَاللَّازِمُ فِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ.وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّكَازِ، فَفِيهِ عِنْدَهُ الْخُمُسُ، وَهُوَ عِنْدَهُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمَا يَنْطَبِعُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ النِّصَابُ فِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ.وَمِمَّنْ قَالَ بِلُزُومِ الْعُشْرِ فِي الْمَعْدِنِ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي جَمِيعِ الْمَعَادِنِ، عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا فِي مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ: أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَمْ تَجِبْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلنَّصِّ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ»، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِهِ، وَتَابَعَهُ عُثْمَانُ الْوَقَّاصِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهُمَا مَتْرُوكَانِ. اهـ. وَعُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيُّ ضَعِيفٌ، مِنْ شُيُوخِ بَقِيَّةَ الْمَجْهُولِينَ، قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَاحْتَجَّ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ. فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَى الْيَوْمِ إِلَّا الزَّكَاةُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْصُولًا، لَيْسَتْ فِيهِ زِيَادَةُ: وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ، إِلَخْ.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ مَالِكٍ: لَيْسَ هَذَا مَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُثْبِتُوهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِقْطَاعُهُ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ دُونَ الْخُمُسِ فَلَيْسَتْ مَرْوِيَّةً عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ، مَوْصُولًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنِ الْحَاكِمِ، وَالْحَاكِمُ أَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو سَبْرَةَ الْمَدِينِيُّ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُلْتُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنَ الْوَجْهَيْنِ. اهـ.قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ- مِنْ نَوْعِ الِاسْتِدْلَالِ بِالِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ.وَالِاسْتِصْحَابُ الْمَقْلُوبُ: هُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِثُبُوتِ الْأَمْرِ فِي الزَّمَنِ الْحَاضِرِ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، لِعَدَمِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّغْيِيرِ مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي.قَالَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: أَمَّا ثُبُوتُهُ فِي الْأَوَّلِ لِثُبُوتِهِ فِي الثَّانِي فَمَقْلُوبٌ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّابِتُ الْيَوْمَ ثَابِتًا أَمْسِ لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ، فَيَقْتَضِي اسْتِصْحَابَ أَمْسِ أَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ.وَقَالَ: فِي نَشْرِ الْبُنُودِ: وَقَدْ يُقَالُ فِي الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّابِتُ الْيَوْمَ ثَابِتًا أَمْسِ لَكَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ أَمْسِ؛ إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَعَدَمِهِ، فَيَقْتَضِي اسْتِصْحَابَ أَمْسِ الْخَالِي عَنِ الثُّبُوتِ فِيهِ، أَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَفْرُوضُ الثُّبُوتِ الْآنَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ أَمْسِ أَيْضًا، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِالْوَقْفِ، إِذَا جُهِلَ مَصْرِفُهُ وَوُجِدَ عَلَى حَالَةٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْوَقْفِ، وَمَثَّلَ لَهُ الْمُحَلَّى، بِأَنْ يُقَالَ فِي الْمِكْيَالِ الْمَوْجُودِ: كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي الْمَاضِي، وَوَجْهُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا؛ أَنَّ لَفْظَ: فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلَّا الزَّكَاةُ إِلَى الْيَوْمِ يَدُلُّ بِالِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدَمِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّغْيِيرِ كَمَا ذَكَرْنَا.وَقَدْ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ إِلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِصْحَابِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: [الرَّجَزُ]: عَنْ نَصٍّ فَلَمْ يُلْفَ وَهَذَا الْبَحْثُ وَفْقًا مُنْحَتِمْ.إِلَى أَنْ قَالَ، وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ: [الرَّجَزُ]: وَأَمَّا الرِّكَازُ: فَفِيهِ الْخُمُسُ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالرِّكَازِ.فَذَهَبَ جُمْهُورٌ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، إِلَى أَنَّ الرِّكَازَ هُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَعَادِنِ اسْمُ الرِّكَازِ.وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْضًا مِنْهُ آنِفًا؛ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِالْعَطْفِ الْمُقْتَضِي لِلْمُغَايَرَةِ.وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ رِكَازٌ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الرِّكَازُ؟ قَالَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَخْلُوقَانِ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»، وَرَدَّهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ: رَوَاهُ: الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَتَابَعَهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ،وَعَبْدُ اللَّهِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَحِبَّانُ ضَعِيفٌ.وَأَصْلُ الْحَدِيثِ ثَابِتٌ فِي الصِّحَاحِ، وَغَيْرِهَا بِدُونِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الرِّكَازِ أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً دُونَ غَيْرِهِمَا، وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا كَانَ فِي تَحْصِيلِ الْمَعْدِنِ مَشَقَّةٌ فَفِيهِ رُبُعُ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} الْآيَةَ.لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ رَفْعَ هَذَا التَّشْدِيدِ بِقَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} الْآيَةَ [9/ 91]، فَهِيَ نَاسِخَةٌ لَهَا.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ}.قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاللَّيْثُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرِّقَابِ: الْمُكَاتَبُونَ.وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُكَاتَبِينَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [24/ 33]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرِّقَابُ أَعَمُّ مِنَ الْمُكَاتَبِينَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْتَقَ الرَّقَبَةُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.صَرَّحَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ مَنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ.وَذَكَرَ فِي الْأَحْزَابِ أَنَّهُ مَلْعُونٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ لَهُ الْعَذَابَ الْمُهِينَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [33/ 57].
|